ثم أورد الشيخ أدلة صفات المعاني ، وذكر الفرق بين صفات الباري وصفات المخلوق : 1- وصفوا الله تعالى بالقدرة ، وأثبتوا له القدرة ، والله – جلّ وعلا – يقول في كتابه : ( إنَّ الله على كل شيءٍ قديرٌ ) [ البقرة : 20 ] ونحن نقطع أنه تعالى متصف بصفة القدرة على الوجه اللائق بكماله وجلاله .
كذلك وصف بعض المخلوقين بالقدرة فقال : ( إلاَّ الَّذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم ) [ المائدة : 34 ] فأسند القدرة لبعض الحوادث ونسبها إليهم .
ونحن نعلم أنّ كلّ ما في القرآن حقّ ، وأنّ للمولى – جلّ وعلا – قدرة حقيقية تليق بكماله وجلاله ، كما أن للمخلوقين قدرة حقيقية مناسبة لحالهم وعجزهم وفنائهم وافتقارهم ، وبين قدرة الخالق وقدرة المخلوق من المنافاة والمخالفة كمثل ما بين ذات الخالق وذات المخلوق ، وحسبك بوناً بذلك .
2 ، 3- ووصف تبارك وتعالى نفسه بالسمع والبصر في غير ما آية من كتابه ، قال : ( إنَّ الله سميع بصير ) [ المجادلة : 1 ] ، ( ليس كمثله شيءٌ وهو السَّميع البصير ) [الشورى : 11] .
ووصف بعض الحوادث بالسمع والبصر ، قال : ( إنَّا خلقنا الإنسان من نطفةٍ أمشاجٍ نَّبتليه فجعلناه سميعا بصيراً ) [الإنسان : 2] ( أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا ) [ مريم : 38 ] .
ونحن لا نشك أن ما في القرآن حقّ ، فلله – جلّ وعلا – سمع وبصر حقيقيان لائقان بجلاله وكماله ، كما أن للمخلوق سمعاً وبصراً حقيقيين مناسبين لحاله من فقره وفنائه وعجزه . وبين سمع وبصر الخالق وسمع وبصر المخلوق من المخالفة كمثل ما بين ذات الخالق والمخلوق .
4- ووصف نفسه بالحياة ، فقال : ( الله لا إله إلاَّ هو الحيُّ القيُّوم ) [ البقرة :255] ، ( هو الحيُّ لا إله إلاَّ هو) [غافر : 65] ،( وتوكَّل على الحيّ الَّذي لا يموت )[ الفرقان : 58 ] .
ووصف أيضاً بعض المخلوقين بالحياة ، قال : ( وجعلنا من الماء كُلَّ شيءٍ حي ) [ الأنبياء : 30 ] ، ( وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيّاً ) [مريم :15] ، ( يخرج الحيَّ من الميّت ويخرج الميّت من الحيّ ) [ الروم : 19 ] .
ونحن نقطع بأن لله – جلّ وعلا – صفة حياة حقيقية لائقة بكماله ، وجلاله ، كما أن للمخلوقين حياة مناسبة لحالهم ، وعجزهم وفنائهم وافتقارهم ، وبين صفة الخالق وصفة المخلوق من المخالفة كمثل ما بين ذات الخالق وذات المخلوق ، وذلك بون شاسع بين الخالق وخلقه .
5- ووصف – جلّ وعلا – نفسه بالإرادة قال : ( فعَّالٌ لّما يريد ) [ البروج :16] ، ( إنّما أمرهُ إذا أراد شيئاً أن يقول له كُن فيكون ) [ يس : 82 ] .
ووصف بعض المخلوقين بالإرادة قال : ( تريدون عرض الدُّنيا ) [الأنفال :67] ، ( إن يريدون إلاَّ فراراً ) [الأحزاب :13] ، ( يريدون لِيُطْفِؤُوا نور الله ) [الصف : 8] .
ولا شك أن لله إرادة حقيقية لائقة بكماله ، كما أن للمخلوقين إرادة مناسبة لحالهم وعجزهم وفنائهم وافتقارهم . وبين إرادة الخالق والمخلوق كمثل ما بين ذات الخالق والمخلوق . 6- ووصف نفسه – جلّ وعلا – بالعلم ، قال : ( والله بكل شيءٍ عليمٌ ) [النور: 35] ، ( لَّكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه ) [ النساء : 166 ] ، ( فلنقُصَّنَّ عليهم بعلمٍ وما كُنَّا غائِبين ) [ الأعراف : 7 ] .
ووصف بعض المخلوقين بالعلم قال : ( وبشروه بغلامٍ عليمٍ ) [الذاريات :28]، ( وإنَّه لذو عِلمٍ لّما علَّمناه ) [ يوسف : 68 ] .
ولا شك أن للخالق – جل وعلا – علماً حقيقيّاً لائقاً بكماله وجلاله محيطاً بكل شيء . كما أن للمخلوقين علماً مناسباً لحالهم وفنائهم وعجزهم وافتقارهم ، وبين علم الخالق وعلم المخلوق من المنافاة والمخالفة كمثل ما بين ذات الخالق وذات المخلوق .
7- ووصف نفسه – جلّ وعلا – بالكلام ، قال : ( وكلَّم الله موسى تكليماً ) [النساء : 164] ، ( فأجِرهُ حتَّى يسمع كلام الله ) [ التوبة : 6 ] .
ووصف بعض المخلوقين بالكلام قال فلمَّا كلَّمه قال إنَّك اليوم لدينا مكين أمينٌ ) [ يوسف : 54 ] ، ( وتكلّمنا أيديهم ) [ يس : 65 ] . ولا شكّ أن للخالق تعالى كلاماً حقيقياً يليق بكماله وجلاله ، كما أن للمخلوقين كلاماً مناسباً لحالهم وفنائهم وعجزهم وافتقارهم ، وبين كلام الخالق وكلام المخلوق من المنافاة والمخالفة كمثل ما بين ذات الخالق وذات المخلوق . الكلام على الصفات السلبية عند المتكلمين بين الشيخ الشنقيطي – رحمه الله تعالى – ضابط الصفة السلبية عند المتكلمين فقال : هي الصفة التي دلت على عدم محض . والمراد بها أن تدل على سلب ما لا يليق بالله عن الله ، من غير أن تدل على معنى وجودي قائم بالذات .
والذين قالوا هذا جعلوا الصفات السلبية خمساً لا سادس لها ، وهي عندهم : القدم ، والبقاء ، والمخالفة للخلق ، والوحدانية ، والغنى المطلق الذي يسمونه القيام بالنفس ، الذي يعنون به الاستغناء عن الحيز والمحل .
1 ، 2- القدم والبقاء : ونبه الشيخ رحمه الله تعالى إلى أن القدم والبقاء اللذين وصف المتكلمون بهما الله – جلّ وعلا – زاعمين أنه وصف بهما نفسه هما المرادان بقوله تعالى : ( هو الأوَّلُ والأخرُ ) [ الحديد : 3 ] .
والقدم عندهم عبارة عن سلب العدم السابق ، إلا أنه عندهم أخص من الأزل ، لأن الأزل عبارة عما لا افتتاح له ، سواء أكان وجودياً كذات الله وصفاته ، أو عدمياً ، والقدم عندهم عبارة عما لا أول له ، بشرط أن يكون وجودياً ، كذات الله متصفة بصفات الكمال والجلال .
وبين الشيخ – رحمه الله – أن الله – عزّ وجلّ – وصف المخلوقين بالقدم ، قال : ( قالوا تالله إنَّك لفي ضلالك القديم ) [ يوسف : 95 ] ، ( كالعُرجُونِ القديم ) [ يس : 39 ] ، ( أنتم وَآبَاؤُكُمُ الأقدمون ) [الشعراء : 76] .
ووصف المخلوقين بالبقاء قال : ( وجعلنا ذُريَّته هم الباقين ) [ الصافات : 77 ] ، ( ما عندكم ينفدُ وما عند الله باقٍ ) [ النحل : 96 ] ولا شك أن ما وصف به الله من هذه الصفات مخالف لما وصف به الخالق .
وصف الله بالقدم والبقاء لم يرد في الكتاب والسنة : وبين الشيخ – رحمه الله – تعالى أن الله لم يصف في كتابه نفسه بالقدم ، وبعض السلف كره وصفه بالقدم ؛ لأنه قد يطلق مع سبق العدم ، نحو ( كالعرجون القديم ) [يس : 39] ، ( إنَّك لفي ضلالك القديم ) [يوسف : 95] ، ( أنتم وَآبَاؤُكُمُ الأقدمون ) [الشعراء : 76] .
وقد زعم بعضهم أنه جاء فيه حديث ، وبعض العلماء يقول : هو يدل على وصفه بهذا ، وبعضهم يقول : لم يثبت أما الأولية والآخرية التي نص عليهما في قوله : ( هو الأوّلُ والأخرُ ) [ الحديد:3] ، فقد وصف المخلوقين أيضاً بالأولية والآخرية ، قال : ( ألم نُهلك الأوَّلين – ثُمَّ نتبعهم الآخِرِينَ ) [ المرسلات : 16-17 ] . ولا شك أن ما وصف الله به نفسه من ذلك لائق بجلاله وكماله كما أن للمخلوقين أوليه وآخرية مناسبة لحالهم وفنائهم وعجزهم وافتقارهم .
3 ، 4- الوحدانية والغنى بالنفس : وصف نفسه بأنه واحد ، قال : ( وإلهكم إلهٌ واحدٌ ) [ البقرة : 163 ] ووصف بعض المخلوقين بذلك ، قال : ( يُسقى بماءٍ واحدٍ ) [ الرعد : 4 ] .
ووصف نفسه بالغنى ( إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعاً فإنَّ الله لغني حميد ) [إبراهيم : 8] ، ( فكفروا وتولَّوا وَّاستغنى الله والله غنيٌّ حميدٌ ) [ التغابن : 6 ] ووصف بعض المخلوقين بذلك ، قال : ( ومن كان غنيّاً فليستعفِف ) [ النساء : 6] ، ( إن يكونوا فقراء يُغنهمُ الله مِن فَضلِهِ ) [ النور : 32 ] .
فهذه صفات السلب ، جاء في القرآن وصف الخالق ووصف المخلوق بها . ولا شك أن ما وصف به الخالق منها لائق بكماله وجلاله ، وما وصف به المخلوق مناسب لحاله وعجزه وفنائه وافتقاره .