محبة الله جاء في الكتاب والسنة أنّ الله تعالى يحب أفعالاً معينة ، كما يحب كلاماً معيناً ، ويحبّ بعض خلقه الذين اتصفوا بصفات خاصة بيّنها .
وما أخبرنا بذلك إلا لكي نبادر إلى الاتصاف بما يحبّه من الأخلاق ، والقيام بالأعمال التي يحبها ، والإكثار من ذكر الكلام الذي يحبه ، وبذلك يحبنا سبحانه وتعالى .
والله تعالى يحبّ المتقين : ( إنّ الله يحبُّ المتَّقين ) [ التوبة : 4 ] ، ويحب المحسنين : ( والله يحبُّ المحسنين) [ آل عمران : 146 ] ، ويحبّ التوابين والمتطهرين : ( إنَّ الله يحبُّ التَّوَّابين ويحبُّ المتطهّرين ) [ البقرة : 222 ] ، ويحب الصابرين : ( والله يحبُّ الصَّابرين ) [ آل عمران : 146 ] ، ويحب العادلين ( إنَّ الله يحبُّ المقسطين ) [ المائدة : 42 ] ، ويحب المتوكلين ( إنَّ الله يحبُّ المتوكلين ) [ آل عمران : 159 ] ، ويحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً : ( إنَّ الله يحبُّ الَّذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنَّهم بنيانٌ مَّرصوصٌ ) [الصف : 4] .
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( كلمتان خفيفتان على اللسان ، ثقيلتان في الميزان ، حبيبتان إلى الرحمن ، سبحان الله وبحمده ، سبحان الله العظيم ) . (11)
وعن سمرة بن جندب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أَحبُّ الكلام إلى الله أربع : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، لا يضُرّك بأيهن بدأت ) . (12)
وقال صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس : ( إنّ فيك خَصلتين يُحبهما الله : الحلمُ ، والأناةُ ) . (13)
وعن عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من أحبّ لِقاء الله أحبّ الله لقاءهُ ، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءهُ ) . (14)
وجماع الأعمال والأخلاق والأقوال التي يحبها الله هو ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ، وما اتصف به عليه السلام ، ولذا فقد بيّن الله في آية جامعة أن السبيل إلى محبته هو اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم : ( قل إن كنتم تحبُّون الله فاتَّبعوني يحببكم الله) [ آل عمران : 31 ] .
رؤية الله لا يُرى الله في الدنيا ، وقد طمع موسى في رؤية الله ، فأخبره ربّه أنّه لن يراه في الدّنيا ، ولا يستطيع ذلك ، بل الجبل القويّ الصلد لا يطيق ذلك ( ولمَّا جاء موسى لميقاتنا وكلَّمه ربُّه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوق تراني فلمَّا تجلَّى ربُّه للجبل جعله دكّاً وخرَّ موسى صَعِقاً ) [ الأعراف : 143 ] .
وقد اختلف العلماء في رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم ربّه حين عُرج به إلى السماء ، والصحيح أنّه لم ير ربّه في المعراج ، وقد صحّ عن عائشة – رضي الله عنها – أنها قالت : ( ومن زعم أنّ محمداً صلى الله عليه وسلم رأى ربّه فقد أعظم على الله الفرية) . (18)
هذا في الدنيا ، أمّا في الآخرة فالأمر مختلف ، فإنّ العباد يخلقون خلقاً جديداً ، ألا ترى أنّ الشمس تدنو من رؤوس الناس في يوم القيامة حتى لا يكون بينها وبينهم إلا ميل واحد ، ومع ذلك فلا يذوبون ولا ينصهرون ! ألا ترى أنّ الناس بعد البعث والنشور غير قابلين للموت ! بل يدخل الكفار النّار كلما نضجت جلودهم بدّلهم الله جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب ، أمّا الموت فلا .
نعم في يوم القيامة يطيق المؤمنون رؤية ربهم ، بل إنّ أعظم نعيم يعطاه العباد في الجنّة هو النظر إلى وجه ربهم العظيم الكريم سبحانه .
هذا النعيم العظيم يحرمه الكفار ( كلاَّ إنَّهم عن رَّبهم يومئذٍ لَّمحجوبون ) [المطففين: 15] أما الذين اصطفاهم الله وحسَّن وجوههم فلا يحجبون ، ( وجوهٌ يومئذٍ ناضرةٌ ) [القيامة : 22] وهؤلاء هم الأبرار ( إنَّ الأبرار لفي نعيمٍ – على الأرائِك ينظرون ) [المطففين : 22-23] ، وهذا النظر إلى وجهه الكريم هو الزيادة التي وُعد بها المؤمنون ( للَّذين أحسنوا الحسنى وزيادةٌ ) [ يونس : 26 ] .
وهو المزيد المذكور في هذه الآية : ( لهم مَّا يشاءون فيها ولدينا مزيدٌ ) [ق : 35] .
وقد جاءت الأحاديث المتواترة مصرّحة بذلك غاية التصريح ، ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه : أنّ ناساً قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله هل نرى ربّنا يوم القيامة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( هل تُضارّونَ في رؤية القمر ليلة البدر ؟ ) قالوا : لا ، يا رسول الله ، قال : ( هل تُضارّونَ في رؤية الشمس ليس دُونها سحابٌ ؟ ) قالوا : لا ، يا رسول الله ، قال : ( فإنّكُم ترونه كذلك ) . (19)
وفي الصحيح عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه ، قال : ( كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ نظر إلى القمر ليلة البدر ، فقال : ( إنّكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامّون ، فإنْ استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس ، وصلاة قبل غروب الشمس فافعلوا ) . (20)
وفي صحيح مسلم عن صهيب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا دخل أهلُ الجنة ، يقول الله تبارك وتعالى : تريدُون شيئاً أزيدكم ؟ يقولون : ألم تُبيضْ وُجُوهنا ؟ ألم تُدخلنا الجنة وتُنْجِنا مِنَ النّار ؟ ) قال : فيكشفُ الحجاب ، فما أعطوا شيئاً أحب إليهم من النظر إلى ربهم عزّ وجلّ ، ثمّ تَلا هذه الآية : ( للَّذين أحسنوا الحسنى وزيادةٌ ) [ يونس : 26 ] . (21)
وفي الصحيحين عن أبي موسى – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( جنّتان من فضة آنيتُهُما وما فيهما ، وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما ، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربّهم إلا رداءُ الكبرياء على وجهه في جنة عدنٍ ) . (22) كراهة الله وبغضه هناك أعمال لا يحبها الله ، بل يكرهها ويبغضها ، وكراهيته وبغضه – سبحانه – حق على وجه يليق بذاته الكريمة ، من هذه الأعمال الفساد ( والله لا يحبُّ الفساد ) [ البقرة : 205 ] ، ولذا فإنّه ( لا يحبُّ المفسدين ) [ المائدة : 64 ] .
وجاء في النصوص أنّه لا يحب : الكافرين ، والظالمين ، والمسرفين ، والمستكبرين ، والمعتدين ، والخائنين ، والفرحين . ولا يحب كل مختال فخور ، وكفّار أثيم ، وخوّان أثيم . وفي القرآن ( ولكن كره الله انبعاثهم فثبَّطهم ) [ التوبة : 46 ] .
وسبق ذكر الحديث الذي فيه : ( ومن كره لِقاء الله كَره الله لقاءهُ ) . (15)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أبغض الرجال إلى الله الألدّ الخَصِمُ ) . (16)
وعن البراء بن عازب أنّه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في الأنصار : ( من أحبهم أحبه الله ، ومن أبغضهم أبغضه الله ) . (17)